الثلاثاء، 11 ديسمبر 2012

حترقت الطبخة



كوني أنثى - احترقت الطبخة

صوت المنبه المزعج عاد ليوقظني.. نظرت بعينين مثقلتين بالنعاس إلى عقارب الساعة.. كانت تشير إلى الرابعة والنصف، آه إنه ليس وقت الغداء.. مازال هناك ساعة كاملة، نظرت إلى سقف الغرفة وبدأت أفكار معدتي تعمل على عجل، ترى ماذا أعدت زوجتي اليوم؟.. هل ستفاجأني على غير عهدها؟.. أم أنني سأنهض وأفتح الباب لأدفع فاتورة الطعام الجاهز.. آه لقد مللت من هذا الطعام.. لوحت بيدي محاولاً أن أطرد هذه الأفكار السيئة ولا أجعلها تؤثر على جل تفكيري في طبق منزلي شهي افتقدته منذ..! منذ لم أعد أذكر المدة بالتحديد، ولكنها طويلة جداً..
 
متى سيأتي ذلك اليوم وأتذوق طعاماً كتب عليه “صنع في البيت”.. كان الطبق الأخير من صنع الخبيرة والدتي، فعلاً ما هي الطريقة الناجعة التي تجعل زوجتي تدخل المطبخ وتنسى لساعة أو ساعتين في اليوم التكلم مع إحدى صديقاتها، وتعد لي طعاماً حتى لو كان خالياً من الملح، أو غير ناضج بعد.. لا بأس المهم أن تكون مكوناته منزلية.
 
وفي غمرة هذه الأفكار رائحة غريبة دخلت إلى غرفتي من دون استئذان، حاولت أن أركز ما طعم هذه الرائحة؟.. وهل هي دخيلة من الخارج؟.. نهضت متثاقلاً من السرير، متوجهاً إلى ناحية المطبخ، والرائحة تزداد قوةً وتأثيراً، بدأت حبال السعادة تتسرب إلى جسدي، كان باب المطبخ مغلق فتحت الباب بحذر دون إصدار أية أصوات، وفجأة شعرت بنشوة عارمة بالفرح تسربت إلى جسدي وخرجت من إصبع قدمي الأصغر، عندما رأيت زوجتي منهكمة في إعداد “السلطة” ورائحة طعام منزلي تعبق في الغرفة.. أسرعت بالقول هل تحتاجين إلى مساعدة يا حبيبتي؟.. أجابت بكلمة واحدة وحازمة دون أن تنظر إلى ناحيتي: نعم إذهب وقم بإعداد طاولة الطعام..
 
خرجت من المطبخ متجهاً إلى غرفة الطعام والتي هي في الأساس غرفة الجلوس، ولكني كنت قد وضعت فيها طاولة وأربع كراسي من النوع الفاخر لأن زوجتي تريد أن تكون طاولة طعامنا أبهى من طاولة جارتنا “أم سعيد”، وصلت إلى الغرفة التي كانت في حالة يرثى لها كعادتها، حاولت ترتيبها بطريقة شبابية وسرعة وذلك في إخفاء ما ألقي على الأرض إلى خلف ذلك الكرسي، ووضع الملابس فوق بعضها وإخفائها في مكان آخر، لقد انتهيت.. خطوتان سريعتان نحو المطبخ وأصبحت على مشارفه متوجهاً بالحديث إلى زوجتي مبتسماً: “ماهو الوقت المتوقع لوصول الطعام المبجل إلى مائدتنا العزيزة”.. أجابتني إذهب وشاهد التلفاز ريثما أخبرك..
 
عدت إلى غرفة الجلوس منتصراً، فاليوم ليس عيداً بالنسبة لي ولكن أكبر من ذلك بكثير، وبحركة بهلوانية واحدة التقطت جهاز التحكم وقفزت إلى الكرسي لأتابع التلفاز.. كان مملاً على غير عادته ربما لأنني أنتظر وصول شخص عزيز افتقدته منذ مدة.. وبدأت أرقب الساعة وهي تمشي على مهل وفي غمرة هذا السكون ولحظات الفرح.. صوت حاد من جهة المطبخ قطع لحظات سعادتي.. أسرعت إلى هناك لأجد زوجتي وهي تخبرني: لم تنجح العملية عليك بطلب الطعام من الخارج اليوم أيضاً..
 
لم يخرج الكلام من فمي وقتها ولكن الرائحة كانت تشير إلى أن ما كانت تضعه زوجتي على النار قد نضج كثيراً حتى أصبح لونه أسود، وكما يقال “احترقت الطبخة”.. عدت بتثاقل إلى غرفة النوم واستلقيت على السرير أفكر في هذه اللحظات السعيدة، وهل ستعود مرة أخرى أم أنني سأشتاق لها أيضاً.. 
 
صوت المنبه المزعج عاد مرة أخرى، نظرت إلى الساعة كانت تشير إلى التاسعة صباحاً، إنه حلم مزعج مرة أخرى.. في ذلك اليوم كان عهداً قطعته على نفسي في البحث عن امرأة تعرف الطريق إلى قلب الرجل دون زيادة أو نقصان في الملح.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق