الأحد، 9 ديسمبر 2012

البحرين: حقيقة تعذيب الشهيد يوسف موالي المغيبة.. الحقيقة البشعة

البحرين: حقيقة تعذيب الشهيد يوسف موالي المغيبة.. الحقيقة البشعة
في معظم الأيام كان يوسف الموالي يخرج من بيته القريب من مطار البحرين الدولي ليمارس رياضة المشي. يوسف الشاب الذي يبلغ من العمر 23 سنة كان مصاباً سابقاً بانفصام الشخصية وكان يحب المشي كتمرين وكفرصة للاسترخاء.
في 11 يناير/ كانون الثاني خرج الموالي للمشي صباحاً ولم يعد. قالت الشرطة إنها عثرت على جثة الموالي تطفو فوق الماء في 13 يناير/ كانون الثاني في منطقة جزيرة أمواج، مسافة ليست ببعيدة من بيته في المحرق. طبيب معين من قبل الدولة أصدر تقريراً ينص على "أن سبب الوفاة هو الغرق وأستبعد أن تكون هناك أثار تدل على استخدام العنف".
لكن شبكة "الجزيرة" حصلت حصرياً على تقرير من تشريح ثاني أجراه طبيب شرعي جنائي يخلص إلى أن الموالي قد تعرض للصعق الكهربائي وكان فاقداً للوعي عندما غرق.
إذا صحت التقارير سيكون الموالي أول حالة وفاة في عهدة الشرطة منذ وعدت الحكومة بإصلاحات بعد تقرير اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق، والذي حقق في أشهر الاضطراب القليلة التي تلت الانتفاضة المطالبة بالديمقراطية في السنة الأخيرة.
اللجنة الممولة من قبل الحكومة وجدت أن وزارة الداخلية البحرينية وجهاز الأمن الوطني قد وظفت "ممارسات ممنهجة من الإساءة الجسدية والنفسية والتي في حالات عديدة وصلت لمستوى التعذيب" خلال الأشهرة الأولى من الهجمة الأمنية في 2011.
اللجنة أوردت أيضاً في تقريرها عن 5 حالات موت نتيجة للتعذيب من قبل الشرطة. موت الموالي قد يكون السادس، والإشارات إلى الإساءة إلى السجناء في البحرين لم تتوقف، رغم وعود الحكومة.
البيان الرسمي
قالت عائلة الموالي إنها "بعد ساعات من خروج الموالي لممارسة المشي الذي يستغرق عادةً 30 دقيقة فيه ذهبت إلى مركز الشرطة المحلي لتبلغ أنه مفقود". بعد تقديمهم بيان اختفاء شخص قال أحمد عباس الموالي (والد يوسف الموالي) أنه أبلغ أن "ابنه موجود لدى دائرة التحقيقات الجنائية وأنه سيفرج عنه في وقت لاحق من ذلك اليوم".
الموالي أخبر الجزيرة أنه وزوجته صعقا عندما علما أن يوسف (الابن البكر بين ثلاث) قد اعتقل، "لم يذهب أبداً إلى التظاهرات أو إلى دوار اللؤلؤة" هذا ما قاله والدة في إشارة إلى مركز الإنتفاضة في 2011.
قال إن ابنه "أمضى معظم وقته في البيت، وكان مهتماً في القرأة حول الدين ولكن ليس في السياسة".
يوسف الموالي كان هادئاً وأمضى معظم وقته في المنزل يدرس أو يتصفح الإنترنت. في نوفمبر/ تشرين الثاني ذهب مع والديه لأداء الحج إلى مكة وفي ديسمبر/ كانون الأول زار أفراد عائلته في الكويت.
كان يتلقى الرعاية الطبية لحالته، وقالت عائلته إنه كان يبدي إشارات تحسن بعد أن علم أن ابنه في قبضة الشرطة . كان قلق أحمد الموالي على ابنه يزداد في كل دقيقة تمر. "حصل ذلك مراراً" قال أحمد الموالي "الشرطة تأخذهم، يقتلونهم ويرمونهم في الخارج".
بعد يومين من خروج الموالي من بيته، تقول الشرطة إنها تلقت اتصالا في 04:52 دقيقة عن العثور على جثة في الماء في منطقة أمواج. عمه الذي كان يجوب المنطقة بحثاً عن ابن أخيه منذ اختفائه اقترب من مصابيح الشرطة الوامضة قبل الاتصال بأخيه ليوصل له الخبر.
"ثم أخذوه للمشرحة" قال أحمد الموالي، "ذهبنا وكان هناك الكثير من رجال الشرطة... لم يسمح لنا برؤيته".
في ذلك المساء، أجرى الطبيب الشرعي الجنائي التابع للنيابة العامة تشريحاً في مستشفى السلمانية، الطبيب خلص إلى أن الموالي غرق، مشيراً إلى بضع أثار على جسده ومصرحاً "لا يوجد أي دليل على إصابة تثير الريبة قد يكون سببها جريمة عنف".
وزارة الإعلام أصدرت بياناً تشير فيه إلى أنه تم العثور على جثة يوسف أحمد عباس (الموالي ليس اللقب الرسمي للعائلة) ويشير إلى أنه يعاني من "مشاكل نفسية" حسب التقرير الأولي التي قدمته العائلة بخصوص اختفائه
في المشرحة. أحمد الموالي أصر على رؤية الجثة وقال للشرطة "إن العدد الكبير من رجال الشرطة غير ضروري إذا كانت قصتهم صحيحة بالفعل وأنه لم ترتكب أي جريمة".
آثار التعذيب
أحمد الموالي قال "إن الشرطة طلبت منه التوقيع على شهادة وفاة تنص على أن ابنه غرق"، وأوضح "رفضنا التوقيع على شهادة الوفاة من دون رؤية الجثة".
في اليوم التالي عاد ومعه محامي وسمح له برؤية جثة ابنه، أضاف الموالي "حينها رأينا الجثة، رأينا الكثير من أثار التعذيب".
محامي العائلة نواف السيد أخبر "الجزيرة" أنه في غضون أيام قدم طلباً نيابةً عن العائلة للقيام بتشريح آخر سواء من قبل طبيب مستقل بحريني أو طبيب تابع لمؤسسة دولية تقبل متابعة قضيته.
رفض الطلبان، لكن السيد قال بأنه "حصل على إذن شفهي من المدعي العام للعائلة بفحص الجثة للإجابة عن أي أسئلة بخصوص وفاة يوسف الموالي بعد استلامها رسمياً".
بعدها اتصلت العائلة بالمجلس الدولي لضحايا التعذيب(IRCT) وأدخلت بروفسور الطب الجنائي في جامعة إسطنبول والتي تتجاوز سنوات خبرتها في معاينة حالات التعذيب عشرين عاماً والمقيمة في الدنمارك سيبنام كورور فينسانسي، كسائحة إلى البحرين في 20 يناير/ كانون الثاني.
في اليوم التالي وقعت العائلة شهادة الوفاة واستلمت الجثة. في الصباح الباكر أخذت الجثة إلى غرفة صغيرة في مقبرة المحرق حيث يتم غسل الجثث لتجهيزها للدفن حسب تقاليد الدفن الإسلامية.
هناك قامت د.فينسانيسي وهي ترتدي ملابس امرأة محلية لصرف انتباه السلطات بالتشريح الثاني لجثة يوسف الموالي.
التشريح الثاني
د.فينسانسي أخبرت "الجزيرة" أنها قبل رحلتها قامت بإجراء بحوث عن أنواع التعذيب المبلغ عنها في البحرين بما فيها الصعق الكهربائي، عن طريق دراسة التقارير الصادرة من الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان حول الإساءات في السجون.
بعد فحص الجثة قالت د.فينسانسي إن "الجراح في القدم، الرجل واليد كانت واضحة"، منتقدة "فشل التشريح الأول في الإشارة إليها". وصرحت أيضاً أن "الطبيب الموكل من الدولة قد شرح فقط بعض الأعضاء التي لا تتناسب مع بروتوكولات التشريح القياسية".
قالت د.فينسانسي "على الفور أدركت أن الجراح من السهل جداً أن تكون نتجت من الصعق الكهربي، لذا جمعت عينات من الجلد، كنت أفكر في التعذيب بالكهرباء لكنني لم أكن متأكدة بالطبع لأن الجثة كانت متحللة قليلاً".
د.فينسانسي أخبرت "الجزيرة" أن ظروف التشريح التي قامت بها لم تكن مثالية، فهي معتادة على العمل مع أدوات مناسبة وتسهيلات طبية بمساعدة معاون، لكنها قالت إن "الفحوصات التي قامت بها في إسطنبول لم تترك مجالا للشك في ما وجدته".
في إسطنبول استشارت أطباء جنائيين آخرين من ضمنهم د.فكري أوزتوب المتخصص في الإصابات الناتجة من الصعق الكهربي. النتائج كانت أن "يوسف الموالي لم يصعق بالكهرباء فحسب بل بعد فحص الرئة اتضح أنه كان فاقداً للوعي عندما غرق".
تقرير د.فينسانسي ينص على:
"نخلص إلى أن السيد يوسف أحمد عباس محمد توفي نتيجة الغرق كما تبين التغيرات الميكروسكوبية التي طرأت على الرئة، تغيرات الجلد تمت معاينتها أثناء الفحص الخارجي وأكدتها الفحوص الميكروسكوبية للشرائح المعدة من العينات التي جمعناها كانت متطابقة جداً مع الصعق الكهربي، مع أنه لا يمكن التصريح بأنها أدت بشكل مباشر لوفاته مباشرة، إلا أنه يدعم ادعاءات التعذيب في الأسر وقد تقود على الأرجح إلى فقدان الوعي.
السيد يوسف أحمد عباس محمد سباح كفوء حسب شهادة أعضاء من عائلته، والغرق مع آثار الصعق الكهربائي في قدمه، رجله ويده يدعم أنه كان فاقداً للوعي عندما كان في البحر، وآثار الصعق قبل الوفاة على ساعده تساند هذه النظرية.
ولذلك يحكم أن ظروف موته كانت الغرق القسري غير الطبيعي".
د.فينسانسي التي عاينت حالات الصعق الكهربي أثناء الحكم العسكري في تركيا في الثمانينات من القرن الماضي ومؤخراً في سجن أبو غريب في العراق أثناء الإحتلال الأمريكي فسرت ل"الجزيرة" أن الكهرباء قد تقود بسهولة لفقدان الوعي، خصوصاً لو استخدم تيار عالي.
في تصريح إلى "الجزيرة" قالت المنظمة العالمية لإعادة تهيل ضحايا التعذيب: "الأولوية الأساسية للمنظمة هي العدالة لضحايا التعذيب وإنهاء الإفلات من العقاب لدى المعذبين، الوثائق الجنائية الطبية مثل هذا التشريح حاسمة في إثبات وقوع التعذيب وبذلك تحقيق هذه الأهداف".
البحث عن الحقيقة
في يوم الإثنين قدمت العائلة تقرير تشريح د.فينسانسي إلى مكتب المدعي العام ليعتبر كجزء من التحقيق في وفاة يوسف الموالي. التحقيق الذي طالبت به العائلة عبر الفنوات الرسمية بعد وفاته بقليل لا يزال في مراحله الأولى، بانتظار البت فيما إذا كان هناك ما يكفي من الأدلة ليحول إلى المحاكم.
لا تزال "الجزيرة" في انتظار رد على الطلبات العديدة التي قدمتها من أجل تعقيب من قبل الحكومة البحرينية ومكتب المدعي العام بخصوص آخر التطورات في قضية يوسف الموالي. في تلك الأثناء تواصل العائلة سعيها دون كلل من أجل الإجابات. "نريد الوصول إلى الحقيقة" قال أحمد الموالي "ماذا حدث؟ لماذا أخذوا إبني ولماذا مات؟"، مضيفاً "نحتاج إلى العدالة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق